يطلق اسم فلسطين على القسم الجنوبي الغربي من بلاد الشام، وهي الأرض الواقعة غربي آسيا على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وفلسطين ذات موقع استراتيجي مهم، إذ تعد صلة الوصل بين قارتي آسيا وإفريقيا، ونقطة التقاء جناحي العالم الإسلامي.
وأقدم اسم معروف لهذه البلاد هو "أرض كنعان"، لأن أول شعب تاريخي استقر فيها هم الكنعانيون، الذين جاءوا من جزيرة العرب أوائل الألف الثالث قبل الميلاد. واسم فلسطين اسمٌ مشتقٌ من اسم أقوام بحرية لعلها جاءت من غرب آسيا الصغرى ومناطق بحر إيجة حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وورد اسمها في النقوش المصرية "ب ل س ت PLST"، وربما أضيفت النون بعد ذلك للجمع، وقد سكنوا المناطق الساحلية، واندمجوا بالكنعانيين بسرعة، لكنهم أعطوا الأرض اسمهم.
ولم يتحدد شكل فلسطين وحدودها الجغرافية المتعارف عليها في عصرنا هذا إلا أيام الاحتلال البريطاني لفلسطين (1920 ـ 1923)، وقد كان تحديد أرض فلسطين يضيق ويتسع باختلاف العصور المتعاقبة عليها غير أنها ظلت جزءاً تاريخياً من بلاد الشام. ومن الصعب متابعة حدود فلسطين التاريخية، لأن طبيعة دراستنا هنا لا تميل إلى التفصيل الدقيق، غير أننا سنمر بأهم معالم التطور التاريخي لهذه الحدود. ففي العهد البيزنطي، ومنذ أواسط القرن الرابع للميلاد، قُسِّمت فلسطين إلى ثلاث وحدات إدارية، هي:
1 ـ فلسطين الأولى Palaestina I : وتشمل المنطقة من جنوب جبل الكرمل ومرج ابن عامر إلى خطٍّ يبدأ جنوبي رفح ويمتد شرقاً إلى وسط البحر الميت، وكان حدُّها الشرقي يضم أجزاء من شرق الأردن، فيمر خط حدودها من جنوبي بيسان ويقطع نهر الأردن بحيث يحيط بالمنطقة بين عجلون شمالاً وطرف البحر الميت الشمالي الشرقي، وكان مركز فلسطين الأولى مدينة قيسارية، ومن مدنها القدس ونابلس ويافا وغزة وعسقلان.
2 ـ فلسطين الثانية Palaestina II: وكانت تشمل جبال الجليل ومرج ابن عامر والمرتفعات الواقعة إلى الشرق من بحيرة طبرية، أي أجزاء من شرق الأردن وسوريا الحالية.
3 ـ فلسطين الثالثة Palaestina III: وكانت تضم المنطقة الواقعة جنوب خط رفح- البحر الميت، إلى خليج العقبة، وكان مركزها مدينة البتراء الواقعة الآن في شرق الأردن
وعندما دخلت فلسطين تحت الحكم الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عُدَّت جزءاً من بلاد الشام، حيث قسمت الدولة إلى سبعة أمصار، وكانت بلاد الشام أحد هذه الأمصار. وقد قُسِّمت الشام إدارياً إلى أجناد في عهد الراشدين، هي جُنْدُ حمص، وجند دمشق، وجند فلسطين، وجند الأردن، وفي العهد الأموي أضيف جند خامس هو جند قنسرين، وكان جند فلسطين يمتد من رفح على الحدود مع سيناء إلى اللجون، وهي مدينةٌ تقع على بعد 18 كم شمالي غرب مدينة جنين. وكانت اللدُّ عاصمة جند فلسطين إلى أن تولى سليمان بن عبد الملك ولاية هذا الجند في عهد أخيه الوليد بن عبد الملك (86 ـ96هـ)، فأمر سليمان ببناء مدينة الرملة التي أصبحت عاصمة هذا الجند. ثم ما لبث جُند فلسطين أن أصبح ولاية مستقلة في العصر العباسي، بعد عهد أبي العباس السفاح، وظل مركزها الرملة. وكانت مقسومة إلى اثنتي عشرة "كُورة" هي الرملة، وإيلياء (القدس)، وعمواس، واللد، ويبنة، ويافا، وقيسارية، ونابلس، وسبسطية، وعسقلان، وغزة، وبيت جبرين، ويضم إليها نواحي زغر، وديار قوم لوط، والشراة والجبال حتى أيلة على خليج العقبة أمَّا جُند الأردن فقد كان يضم وفق الاعتبارات المعاصرة أجزاء من شرق الأردن وشمال فلسطين وجنوب لبنان، وكان هو أصغر أجناد الشام، وكان مركزه (عاصمته) طبرية، ويضم ثلاث عشرة "كُورة"هي طبرية، والسامرة، وبيسان، وفحل، وجرش، وبيت راس، وجدر، وآبل، وسوسية، وصفورية، وعكا، وقَدَس (شمال صفد)، وصور.
وفي عهد المماليك (1250 ـ 1517)، قُسِّمت بلاد الشام إدارياً إلى "نيابات"، وارتبطت أرض فلسطين بثلاث نيابات هي نيابة صفد، ونيابة القدس، ونيابة غزة، وكانت نيابة صفد تضم أجزاء من شمال فلسطين وجنوب لبنان حتى نهر الليطاني. وفي العهد العثماني في بلاد الشام (1516 ـ 1918)، قسمت بلاد الشام إلى ثلاث إيالات "ولايات"، هي إيالة دمشق، وإيالة حلب، وإيالة طرابلس، وألحقت بكل إيالة وحدات إدارية تسمى "سناجق" وكانت سناجق نابلس وغزة والقدس واللجون وصفد تتبع إيالة دمشق، وكان سنجق نابلس يضم أجزاء من شرق الأردن. وعندما استُحدثت إيالة صيدا سنة 1660 ضُمَّت مناطق صفد إليها، وانتقل مركز هذه الإيالة إلى عكا عام 1777، وتَبِعت ألوية القدس ونابلس والبلقاء فيما بعد إيالة صيدا. وعندما صدر نظام الولايات الجديد سنة 1864 ضُمَّت إيالة صيدا إلى ولاية سوريا.
وعندما أُنشئت ولاية بيروت سنة 1887 فُصل لواء عكا والبلقاء وثلاثة ألوية أخرى عن ولاية سوريا لتُكوِّن الولايات الجديدة. وكانت ولاية بيروت تمتد إلى منتصف الطريق بين نابلس والقدس، ضامَّةً بذلك لواء البلقاء الذي كان مركزه نابلس، وكان يضم أقضية جنين، وبني صعب وجماعين والسلط، في حين ضم لواء عكا أقضية حيفا والناصرة وطبريا وصفد، وقد ظلت هذه الأجزاء من شمال فلسطين جزءاً من ولاية بيروت حتى عام 1914. أما لواء القدس، فنظراً لأهميته ومخاوف الدولة العثمانية من الأطماع اليهودية الصهيونية فيه، ومن تدخلات الدول الأجنبية في شؤونه، فقد قامت بفصله عن ولاية سوريا، وأعلنته متصرفيةً مستقلةً وربطته بالحكومة المركزية في العاصمة ربطاً مباشراً منذ عام 1874، وضمت هذه المتصرفية مناطق وسط فلسطين وجنوبها، وتبعتها أقضية القدس ويافا وغزة والخليل. وفي عام 1909 أنشئ قضاء بئر السبع وكان قبل ذلك جزءاً من قضاء غزة. ونظراً لقوة متصرفية القدس فقد حدث أكثر من مرة أن أُلحق بها لواء نابلس (البلقاء) كما حدث أن ألحق بها قضاء الناصرة خلال الفترة 1906 ـ 1909. وقد استمرت متصرفية القدس حتى نهاية الدولة العثمانية
لقد أردنا من هذا الاستطراد في الحديث عن الحدود الجغرافية لفلسطين التأكيد على عدد من المعاني أهمها:
- إنَّ تسمية فلسطين تسميةٌ قديمةٌ وهي غالباً ما تغطي المنطقة بين البحر المتوسط والبحر الميت ونهر الأردن.
- إنَّ فلسطين جزء من بلاد الشام، ولم تكن التقسيمات الإدارية أو التسميات أو توسيع بعض المناطق وتضييقها ليؤثر على شعور أبنائها الأصيل بأنهم أبناء أمُةٍ مسلمةٍ واحدة، وأن ولاءهم للحكم لا يهتز ما دام مسلماً.
- ولم تكن التقسيمات الإدارية سوى تقسيمات فنية، لتسهيل متابعة الدولة المسلمة لشؤون الأقاليم، ولم يكن تغييرها ليثير أية حساسيات حقيقية لدى عامة الناس. وكانت هذه التغييرات تحدث كما يحدث الآن في أي بلد من توسيعٍ أو تضييقٍ أو إعادة تسميةٍ للمحافظات والأقضية، دون أن يمس ذلك جوهر حياة الناس. وعلى ذلك، فقد كان طبيعياً أن يكون شمال فلسطين جزءاً من جند الأردن وأجزاءً من شرق الأردن جزءاً من جند فلسطين، ثم يحدث أن تتبع أجزاء من شمال فلسطين ولاية بيروت، وأن يكون مركز لواء البلقاء هو مدينة نابلس، .. إلخ.
- إن المشاعر الإقليمية الضيقة لم تكن لتوجد بين أبناء بلاد الشام (والمسلمين بشكل عام)، فكانت حرية التنقل والحركة والإقامة والعمل والتملك أموراً عادية يمارسها الجميع دون قيد أو حرج.
- إن التحديدات والجنسيات الإقليمية كانت بعيدة تماماً عن حس المسلم طوال العهد الإسلامي حتى نهاية الدولة العثمانية، ولم تنبت بذورها إلا في عهد الاستعمار الغربي، ولكنها لم تتجذر للأسف إلا بظهور الدول الإقليمية العربية والإسلامية المستقلة.
وكان من عادة العرب أن يطلقوا على أرض فلسطين اسم "سوريا الجنوبية" وذلك باعتبارها جزءاً من سوريا (بلاد الشام). وفي أثناء عهد الحكومة العربية في دمشق، (منذ أوائل أكتوبر 1918 حتى يوليو 1920) كانت فلسطين ـ على الرغم من الاحتلال البريطاني ـ ممثلة في المؤتمر السوري العام، وأول جريدة عربية ظهرت بعد الاحتلال البريطاني حملت اسم "سوريا الجنوبية". وكان الكثير من رجالات فلسطين في دمشق، ومنهم نواب في المؤتمر السوري الذي أعلن استقلال سوريا في 8 مارس 1920. ولم يغب هذا الاسم عن فلسطين إلا بعد معركة ميسلون، والاحتلال الفرنسي لسوريا، وسقوط الحكم العربي فيها (يوليو 1920)
وتحت الاحتلال البريطاني تعينت الحدود بين فلسطين من جهة، وبين لبنان وسورية من جهة أخرى بموجب الاتفاق الفرنسي ـ البريطاني، المنعقد في 23 ديسمبر 1920، وقد حدث عليها بعض التعديل عام 1922 ـ 1923. أما حدود فلسطين مع شرق الأردن فقد حددها المندوب السامي لفلسطين وشرق الأردن في الأول من سبتمبر 1922. وبهذا التحديد بلغت مساحة فلسطين 27009 كيلومترات مربعة، وامتدت بين خطي عرض 30َ 29ْ و 15َ 33ْ شمالاً، وبين خطي طول 15َ 34ْ و 40َ 35ْ شرقي غرينتش. وبلغت حدود فلسطين مع شرق الأردن 360 كم، ومع سوريا 70 كم، ومع لبنان 79 كم، ومع مصر